فلج دارس

 تشتهر السلطنة منفردة عن العديد من الدول بنظام الأفلاج الذي أتقنه العمانيون منذ القدم وهو نظام يعتمد على استخراج المياه من باطن الأرض وتصريفها في قنوات لتمتد لمسافات بعيدة يستفاد منها في الكثير من الاحتياجات وقد تميزت السلطنة بالعديد من الأفلاج في مدنها وقراها حتى لا تكاد تخلو قرية أو مدينة من الفلج وذلك نظرا لحاجة العمانيين قديما إلى هذه الأفلاج في الزراعة وغيرها من أعمال الحياة.
ويعتبر فلج دارس الشهير بولاية نزوى من أكبر الأفلاج بالسلطنة قياسا لكمية مياهه المتدفقة وطول قناة التصريف التي قد تمتد لمسافة خمسة كيلومترات.

امتداد الفلج

يبدأ فلج دارس من منطقة متوسطة من الوادي الأبيض في شمال مدينة نزوى جنوب بلدتي كمة وتنوف وهو يتكون من ساعدين أساسيين هما الساعد الصغير والساعد الكبير حيث يبلغ طول الساعد الصغير 190 مترا ويقع على الجانب الأيمن للوادي الأبيض حيث يلتقي وادي الهجري مع وادي المصلة وقد سمي بهذا الاسم لأنه الأصغر ولأن مياهه قليلة قياسا بالساعد الآخر ولقد جرى ترميم هذا الساعد وتغطية فرضاته (فتحات التهوية) ورفعت بمقدار 1.5 م فوق مستوى الأساس للوادي وذلك حماية له من مياه السيول والحصى الكثيرة في المنطقة والتي تجرفها المياه بسرعة وتبلغ أعمق الفرضات نحو 16 م عند أم الفلج أما الساعد الكبير فيبلغ طوله نحو 1.7 كم ويقع على الجانب الأيسر للوادي الأبيض، بجوار طريق نزوى – عبري وهو يتكون في جزئه العلوي من ثلاثة سواعد تلتقي مع بعضها في منطقة العبلية والسواعد هي ساعد كمة في الشمال وساعد الوادي في الغرب وساعد الجبل الأخضر في الشرق، وهو أهمها حيث يخترق هذا الساعد طريق نزوى – عبري ليصل حتى سفح الجبل الأخضر وتبلغ أعمق الفرضات هناك نحو عشرين مترا.

صيانة الفلج

واحات زراعيةنظراً لما تعرض له الفلج من انهيارات يتطلب الأمر القيام بعمليات الصيانة الدورية والطارئة وحول عمليات الصيانة يتحدث « علي بن حمد بن علي العزواني « أحد أعيان ولاية نزوى وممن عاصروا عمليات الترميم والإصلاح في فلج دارس طوال الفترة السابقة فيقول: تنقسم عمليات الصيانة إلى شقين الأول عمليات الصيانة الدورية والتنظيف وفيها يتكون الفريق من ستة أشخاص ينزل أربعة منهم من الفرضات الموجودة بالفلج حيث يبدأ العمل من أول فرضة بينما يقوم الشخصان الآخران بعملية جذب المخلفات بواسطة الحبل والدلو.
معدات متنوعة يحمل الأربعة الذين ينزلون لأسفل الفلج معهم المعدات اللازمة للعمل “ حبل – دلو – مسحاه – هيب – قنديل أو سراج بو فتيله وغير ذلك من المعدات اللازمة “ ويتم تنظيف المجرى من العوائق التي علقت به مثل الرمال أو سقوط الأحجار وقص عروق الأشجار أما عمليات التنظيف الدوري فتتم أيام الخصب كل أربعة أشهر نظراً لغزارة مياه الفلج وبالتالي زيادة الحاجة للتنظيف بين الحين والآخر أما في أيام المحل والجدب فتتم العملية كل ثمانية أشهر بالمعدل.

الانهيار التام للفلج

وعن الصيانة في حالة حدوث انهيار تام في ساقية الفلج نتيجة زيادة كميات الأمطار يقول علي العزواني:  تتم عملية إعادة الترميم داخل الساقية حيث يتم إنزال المعدات ومواد الصيانة مثل الصاروج والحجارة إلى الأسفل مع توفير العمالة الماهرة، وكان آخر انهيار للفلج قد حدث منذ 30 عاماً تقريباً أما الآن فإن عمليات الصيانة قلّت بدرجة كبيرة لعدة أسباب من بينها قلة المياه المتدفقة من الفلج واستمرار موجات الجفاف التي يتعرض لها الفلج لفترات طويلة وكذلك الساعد الصغير المغذي للفلج نسبة الماء به قليلة بسبب توالي الانهيارات حيث تتركز أغلب الإصلاحات خلال الفترة الأخيرة في الساعد الكبير.

تمويل الصيانة

وحول عمليات تمويل هذه أعمال الصيانة يقول العزواني: يتم تمويل الصيانة من دخل الفلج حيث يمتلك الفلج أملاكا مثل النخيل وبعض المزروعات وكذلك من عملية تأجير المياه أو ما يسمى محلياً ( القعاده ) والتي تتم أسبوعياً وهي عبارة عن منح الفرصة للمواطنين للسقي من الفلج نظير رسوم يتم تحصيلها من خلال مزاد علني « القعادة « وكذلك من عملية بيع بعض الحصص السنوية والتي تتم في الأول من ذي الحجة من كل عام، ولا يتم مطالبة الأهالي بأية معونات مادية للصيانة والتنظيف لكن يتم في بعض الأحيان الاستعانة المعنوية فقط بأشخاص أثناء عمليات الصيانة الكبيرة ففي أحد المرات هبّ أبناء الولاية للتطوع في صيانة الفلج نتيجة الانهيار الكبير.
وغطت إيرادات الفلج في السنوات السابقة حاجته من الصيانة والتنظيف فلم يتم الاستعانة المادية من أي مصدر آخر من مصادر التمويل وقد كانت الأيدي العاملة في الفترة السابقة متوفرة ورخيصة وتفي بمتطلبات العمل أما الآن فقد اختلف الوضع، وللعلم فإنه منذ توالي عمليات الصيانة وحتى الآن كانت الأيدي التي تقوم بالصيانة عمانية ولم يتم الاستعانة بأيد عاملة غير عمانية حتى الآن ولله الحمد.
فترة العمل والأجرة:
وتبدأ عمليات الصيانة في كل الأحوال بعد صلاة الفجر مباشرة حيث يخرج العاملون إلى موقع الصيانة المطلوب وكما أشرنا يقومون بإنزال المعدات حيث تستغرق فترة العمل في اليوم الواحد من ثلاث إلى أربع ساعات فقط نظراً لصعوبة المهمة ولكنها فترة كافية وذات إنتاجية كبيرة علماً بأن العمال الذين ينزلون إلى أسفل الفلج يستخدمون الحبال « يطلق عليها حبال الكر « في عملية النزول وتتراوح الأجرة حسب طبيعة العمل علماً بأن أجرة العمل في الفلج مضاعفة عن باقي الأعمال الأخرى كبناء البيوت أو إصلاح وتأهيل الطرق وقد كان العامل يتقاضى سابقاً بين قرشين إلى سبعة قروش حسب الكفاءة وفي الفترة الأخيرة يتقاضى بين خمسة إلى سبعة ريالات في اليوم الواحد.

أهمية الفلج

لا تأتي أهمية فلج دارس من كونه الأكبر في المنطقة فقط، بل ربما الأهم على صعيد السلطنة وقد أصبح رمزا للعطاء والحيوية في ولاية نزوى واقترنت به أحداث المنطقة ويروي هذا الفلج نحو 60 ألف نخلة إضافة إلى أنواع المزروعات الأخرى وأهمها أشجار الفاكهة، كالحمضيات وبخاصة الليمون، والسفرجل والنارنج والمانجو والموز والتين والخوخ والمشمش وزراعة قصب السكر وزراعة الخضراوات بأنواعها (البصل والثوم والطماطم والكوسة والباذنجان والبامية والفجل والقرع والبطيخ .. وغيرها).

تم عمل هذا الموقع بواسطة